صمغ اللبان الأصلي يستخرج من أشجار أو شجيرات من نوع شجر اللبان (boswellia )، وفي بلاد اليمن يستخرج بالذات من شجرة اللبان التي تسمى بوسفليا سكرا فلوكغر(boswellia sacra flueckiger) وهي من فصيلة البخوريات. وموطن إنتاج أنواع اللبان هو بشكل أساسي الساحل الأوسط لجنوب الجزيرة العربية، وبالذات منطقة حضرموت، ومنطقة ظفار، وكذلك جزيرة سقطري، والساحل الصومالي. حيث ينمو اللبان والمر على جانبي خليج عدن.
ويعتبر اللبان والمر من الطيوب المحببة وأثمنها في العصور القديمة، ليس فقط في معظم بلدان الشرق القديم، ولكن في حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد بدأ استعمال اللبان في موطنه الأصلي بلاد اليمن في العصور القديمة حيث اتخذ مكانة مهمة كمادة تقدم مع النذور لعبادة الآلهة.
والكلمات التي تطلق على البخور في مناطق إنتاجه في جنوب الجزيرة العربية هي لِبان (بالكسر) ومُغُر، وكذلك تذكر العصور القديمة في لغات سامية أخرى كاللغة العبرية والآرامية، أما في اللغة اليونانية واللغات الأخرى كالحبشية والصومالية فتعتبر هذه الكلمات دخيلة.
ويعتبر المؤرخ اليوناني هيرودوت أول من ذكر الموطن الصحيح للبان، ومن بعده تعتبر إشارات كل من:( تيوفراست) (وبلينيوس) عن مناطق إنتاج اللبان والحصول عليه جديرة بالذكر وذات أهمية خاصة. وأما كتاب الأدوية المفردة( لديو سكوريدس) فيحتوي على معطيات مفصلة، ليس فقط عن استعمالاته الطبية، ولكن أيضاً عن أنواعه المختلفة ومدى انتشارها.
ولما كانت معظم الدول التي كان اللبان مطلوبأ فيها غير قادرة على إنتاجه فقد دفعها ذلك إلى نوع من النشاط للبحث عنه، وكذلك أدى إلى تطوير التجارة الدولية، وذلك باستعمال قوافل الجمال على ما يسمى طريق البخور الذي يبدأ باليمن ويتجه شمالاً إلى فلسطين ثم سوريا ومصر.
وقد شارك في تجارة اللبان على الطريق البري كل من السبئيين والمعينيين، بالإضافة إلى الأنباط والجرهائيين. وأما طريق الشحن بالسفن عبر البحر الأبيض المتوسط فقد كان في العصور القديمة بيد الفينيقيين والقرطاجيين، وبعد ذلك سيطرت التجارة البحرية اليونانية الرومانية وحلت محلهم، حيث بدأ اليونان والرومان باستيراد اللبان من جنوب الجزيرة بشكل مباشر، وهذا ما يشير إليه كتاب( الطواف حول البحر الإريتري ) .
والمعطيات التي تتحدث عن أسعار اللبان تدل على أنه كان ذا سعر مرتفع نسبياً، وهذا من شأنه أن يجعل إمكانية تزييف صمغ ثمين كاللبان بصمغ آخر رخيص أمراً معقولاً.
وقد استخدم اللبان في بلدان الشرق القديم لأغراض شتى وكان يستعمل عند اليونان والرومان بالدرجة الأولى لدى تقديس الآلهة. وقد رافق الطقوس والمراسيم الدينية، وكذلك الشؤون الشخصية والاحتفالات الدنيوية مثل الولائم، هذا بالإضافة إلى أنه كان يحرق كنوع من التكريم للشخصيات البارزة. وقد كان الرومان يحرقون كميات كبيرة من اللبان عند مراسيم الدفن.
وعند تقدير أهمية البخور وقيمته يمكن ذكر كثير من الأمثلة التي تتحدث عن اللبان كهدايا ثمينة أهديت من حكام، أو استخدمت في الاستقبالات الرسمية. ومع مجيء المسيحية والإسلام والقضاء على الطقوس الوثنية تراجع إنتاج اللبان وتصديره كثيراًأ، ولكنه وجد قبولاً تدريجياً في طقوس الكنائس المسيحية فيما بعد.
ويأتي استعماله كمادة طبية بشكل خاص لكون اللبان مادة ذات قوة مدفئة، وكونه دواءً مقبضاً للجرح. ومن خلال أمثلة كثيرة ومنذ العصور القديمة، كان يشكل اللبان وصفة طبية لتطهير الجروح وتجفيفها، بالإضافة إلى اعتباره مادة كاوية.
ولعل الشغف برائحة اللبان قد استمر عند سكان اليمن إلى يومنا هذا، حيث يحرق اللبان في الاستقبالات والمراسيم العامة، بالإضافة إلى أغراض أخرى، والنوع اللين منه يمضغ. وبمكن معرفة الأهمية الأساسية للبان من خلال اللغات العربية الجنوبية الحديثة كالمهرية والشحرية، وكذلك من لهجة ظفار العربية، وبالذات من خلال تسميات خاصة. وهذه الأهمية جاءت من التقاليد الطويلة لإنتاج اللبان.
ومع ازدياد الطلب على اللبان لحرقه في المباخر، وكمادة طبية، وكذلك استعماله حديثأ كمادة أساسية لتحضير المواد العطرية، وفي استخدامه في مواد التجميل، كل هذا من شأنه أن يدعو إلى العناية بأشجار اللبان وجمع صمغه في المناطق التي يزرع فيها.
المصدر: (الموسوعة اليمنية ، البروفسور ولتر و. مولر) .
|