شمر يهرعش |
اتفقت المصادر الإخبارية على أن اسم الملك هو ( شمر)، وهو على وزن فَعَّل بالفتح وتشديد العين ، وفسر وهب بن منبه معنى الاسم وقال الشمر: البوار بلغة حمير .أما الحسن الهمداني فقد فسر الاسم وقال شمر: العز .
وفيما يتعلق بلقبه هناك اتفاق بين المصادر على أن لقبه هو (يرعش)- يهرعش في النقوش- ويقول عبيد بن شرية أنه سمي يرعش؛ لأنه كان به ارتعاش ، ونفس التفسير جاء به وهب ابن منبه ولكنه أضاف بأن سبب ارتعاشه هو شرب الخمر .
واتفق معهم في ذلك العلامة ابن خلدون ، وخالفهم الحسن الهمداني وقال عن معنى اللقب "أرعش الأبدان بالرعب، وقد يقول من لا خبرة له بحمير إنه كان به ارتعاش" . والغريب في قول الهمداني أنه جعل كلاً من عبيد بن شرية ووهب بن منبه، لا خبرة لهم بحمير، وقوله هذا يتناقض مع ما جاء به في الجزء الثامن من الإكليل، حيث اعتمد عليهما في كل ما ذكره عن الملك شمر يرعش، ويمثل هذا التناقض نموذجاً للتصحيف الذي تتعرض له المصادر الأخبارية.
أما نشوان الحميري فقد فسر معنى اللقب فقال : "أرعشه أي أرعده" ، وقال أيضاً سمي يرعش لأنه كان يُرعِشُ من رآه هيبة، وفي ذلك يقول نشوان في قصيدته:
أم أين شمر يرعش الملك الذي ملك الورى بالعنف والإسجاحِ
قد كان يرعش من رآه هـيبة ورنا إليـه بطرفه اللـمـاحِ
كما ذكر نشوان تفسيراً آخر مؤداه أن ارتعاش الملك كان بسبب إصابته بمرض الفالج، ولكنه عاد ليؤكد صحة تفسيره الأول، وأضاف بأن جميع حمير يقولون (يُرعِش) بكسرالعين .
ب- نسبه:
تعد أخبار عبيد بن شرية الجرهمي (ت 67هـ) أقدم مصدر أخباري عن تاريخ جنوب الجزيرة العربية القديم، ويليها رواية وهب بن منبه (ت 114هـ)، وجميع الكتاب الإخباريين الذين أتوا بعدهما نقلوا عنهما وخاصة كتاب التيجان مثل: ابن قتيبة في كتابه (المعارف)، والطبري في كتابه( تاريخ الرسل والملوك) ،والمقدسي في كتاب( البدء والتاريخ)، وابن حزم الأندلسي في كتاب( جمهرة أنساب العرب) ، وقد وجد اتجاهه في كتابه التاريخ العالمي منذ بدء الخلق صدى قوياً عند المؤرخين جميعاً.
وقد نسب المؤرخون الإخباريون الملك شمر يرعش إلى أبوين مختلفين معتمدين على ما جاء في كتاب التيجان، رواية وهب، وكنلك أخبار عبيد. وقد كان نسب الملك في التيجان كما يلي:
ففي أخبار عبيد بن شرية هو (شمر يرعش بن أفريقيس بن أبرهة بن الرائش)، وكان حكمه بعد الملك (ناشر النعم بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن شرحبيل بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن)، وبهذا النسب فإن الملك (شمر يرعش) ليس له علاقة قرابة بالملك الذي حكم قبله، ولم يُعطِ عبيد تفسيراً لذلك، واكتفى بنسبته إلى الملك (أفريقيس بن أبرهة)، الذي حكم قبل عهد الملكة بلقيس بزمن بعيد، فإذا تتبعنا الملوك الذين حكموا بعد أفريقيس، سوف نجد ستة ملوك من حمير يفصلون بينه وبين عهد الملك (شمر يرعش)، كان آخرهم الملك (ناشر النعم بن عمرو). وهذا الفارق الزمني بين عهد الملك شمر يرعش وأبيه أفريقيس بن أبرهة يعد كبيراً نسبياً.
وعلى الرغم من ذلك نجد في أخبار عبيد بن شرية عند حديثه عن التبع أبي كرب أسعد قصيدة شعرية طويلة، منسوبة إلى التبع أبي كرب أسعد قالها حين نزل غمدان، يقول في البيت التاسع منها:
وناشر جدي الذي قد بنى مكارمه وابنه شمر.
وهذا البيت الشعري يجعل الملك شمر يرعش ابناً للملك (ناشر النعم) بكل وضوح، وهو ما يتعارض مع ما قاله عن نسب الملك شمر يرعش.
أخذ عن عبيد بن شرية عدد من المؤرخين الإخباريين، منهم أبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ)، الذي قال أن نسب الملك هو (شمر يرعش بن أفريقيس بن أبرهة بن الرائش) ، وتكرر نلك عند المسعودي، الذي نسب الملك شمر يرعش إلى أفريقيس بن أبرهة ، ونفس القول جاء أيضاً عند الحسن الهمداني . واتفق معهم في ذلك أيضاً، مفسر قصيدة الدامغة التي كتبها الهمدانى ، وبعد هؤلاء كرر نشوان الحميرى نفس القول مع بعض الإضافات والزيادات إلى القصة، حيث قال: إنه: "شمر يرعش بن أفريقيس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث بن الرائش" .
وفي رواية وهب بن منبه اختلف نسب الملك، حيث صار "شمر يرعش بن ناشر النعم"، وناشر النعم عند وهب بن منبه هو مالك بن يعفر بن عمرو بن حمير بن السباب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ" .
وقد سار على هذا القول عدد من الكتاب الإخباريين الذين جاءوا من بعده، وإن كان البعض قد اختلط عليه النسب الصحيح، ونبدأ بالطبري الذي نسب الملك شمر يرعش، وقال "كان بعد تبع الأول زيد بن عمرو، وشمر يرعش بن ياسر أنعم بن عمرو ذي الأذعار، ابن عمه ، وهذا أقرب إلى ما جاء به وهب بن منبه، وإن كان فيه بعض الأخطاء التي ربما كانت بسبب تصحيف النساخ. وفي موضع آخر ذكر ناقلاً عن هشام الكلبي، بأن من حكم بعد الملك ياسر أنعم هو"تبع وهو تبان أسعد وهو أبو كرب بن ملكي كرب تبع بن زيد بن عمرو بن تبع وهو ذو الأذعار بن أبرهة تبع ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ وكان يقال له :الرائد".
أما العلامة الموسوعي الحسن بن أحمد الهمداني فقد سار على قول وهب بن منبه في نسب الملك فهو: "شمر يرعش بن ناشر النعم"، وناشر النعم عنده هو "مالك بن عمرو بن يعفر بن مالك بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ" ، وهذا مخالف لما أورده عبيد بن شرية ووافق عليه الهمدانى أيضاً . وفي قصيدة الدامغة للهمداني أخذ شارحها برواية عبيد في نسبة الملك شمر يرعش إلى (أفريقيس بن أبرهة).
وفي القرن السابع الهجري تحدث ابن الأثير عن ملوك اليمن، وقال: بأن من حكم بعد الملك ياسر أنعم هو تبع وهو تبان وهو أسعد وهو أبو كرب بن ملكي كرب تبع، وهو بذلك لم يأت بجديد عن قول الطبري، ولكنه تميز عن سابقيه بالإشارة إلى الروايات المختلفة لأصحاب السير والتواريخ بقوله: "وكل واحد منهم خالف الآخر فلم يحصل منهم كثير فائدة" .
ثم أتى العلامة ابن خلدون وتحدث عن تاريخ جنوب الجزيرة العربية فقال: عن الملك شمر يرعش: "ثم ملك بعد ياسر هذا ابنه شمر يرعش" وبعد ابن خلدون بزمن قصير كتب القلقشندى ناقلاً عن المسعودي والطبري اللذين اعتمدا على وهب عن نسب الملك شمر يرعش، الذي صار عنده (شمر مرعش)، ونسبه إلى أبيه" مالك ناشر النعم بن عمرو بن يعفر بن شرحبيل بن عمرو ذي الأذعار"، وهو بهذا يكون قد أخذ بقول وهب بن منبه في نسب الملك شمر يرعش، وفي نسب الملك ناشر النعم بقول عبيد بن شرية.
ج- أعماله:
من خلال ما ذكرته المصادر الأخبارية يمكن القول أن الملك شمر يرعش قد مر في حياته بمرحلتين، الأولى كانت مع أبيه (ناشر النعم) مشاركاً في غزواته، والثانية بعد وفاة أبيه وتوليه الحكم. وهنك روايتان في هذا الصدد، الأولى جاء بها عبيد بن شريه، والثانية جاء بها وهب بن منبه.
المرحلة الأولى: جميع المعلومات عن هذه المرحلة مصدرها وهب بن منبه، في حين خلت أخبار عبيد بن شرية من أي إشارة إلى هذه المرحلة، حتى عندما تحدث عن الملك (أفريقيس بن أبرهة).
وحسب رواية وهب بن منبه، فقد شارك شمر يرعش في جميع الغزوات التي قام بها أبوه الملك (ناشر النعم)، وكان أولها الغزوة التي قام بها إلى المغرب حتى بلغ البحر المحيط، ثم تورد الرواية مشاركة شمر يرعش لأبيه في بقبة الحملات التي قام بها إلى مختلف المناطق شرقاً وغرباً، إلى أن تنتهي الرواية بوفاة الملك ناشر النعم بسنجار قبل أن يحقق رغبته بالوصول إلى أرض التبت ومنها إلى الصين والهند. وقام ابنه شمر يرعش بدفنه هناك . وقد نقل عن وهب بن منبه فيما بعد، الدينوري ، والحسن الهمداني ، مع بعض الاختصار.
المرحلة الثانية: وهي فترة توليه الحكم بعد وفاة أبيه، وهذه المرحلة تناولتها أخبار عبيد بن شرية باختصار شديد، مقارنة بما جاء عند وهب بن منبه، وكما اختلفا في نسب الملك شمر يرعش، فقد اختلفا أيضاً في سرد الوقائع المتصلة بفترة حكمه.
ففي رواية عبيد بن شرية، فإن شمر يرعش قد وصل إلى سدة الحكم بعد وفاة سلفه الملك (ناشر النعم)، وبعد عدة سنين سار الملك شمر يرعش نحو الشرق وسواحل البحر حتى وصل إلى العراق لتأديب ملك بابل، الذي قام ببناء صرح إلى السماء متشبهاً بفرعون وهامان، حيث تم أسره وحبسه داخل بئر في مدينة مأرب، ثم أطلق سراحه بعد أن شفعت له ابنة الملك، وتم توليته على بلاده مقابل خراج سنوي .
ثم تشير الرواية إلى قيام الملك شمر يرعش بقيادة حملة متوجهاً إلى الصين، وفي طريقه إلى هناك استولى على كل المناطق التي مر بها، وبأنه قد كتب على باب مدينة (السغد) كتاباً حميرياً يفخر فيه بانتصاراته ووصوله إلى تلك الأماكن.
ثم تذكر الرواية أن الملك شمر يرعش واصل زحفه نحو الصين، وأوردت الرواية قصة تعرض الملك شمر وجيشه لخدعة من قبل أحد وزراء ملك الصين. الذي تمكن من كسب ثقة الملك شمر يرعش، ليكون دليله إلى أرض الصين، إلا أن الوزير سار بهم إلى عمق الصحراء حتى نفد ما معهم من ماء، وبدأ أفراد الجيش يتساقطون من شدة العطش. فتم كشف الخديعة وأمر الملك بضرب عنق الوزير الصيني.
كما تذكر الرواية بأن الملك قد أمر جنوده بالتوجه حيث شاءوا، وبأن عدداً منهم تمكن من الوصول إلى التبت، أما الملك فقد عاد محمولاً فوق درع من الحديد وظلل عليه بدرقة من الحديد.
كما أورد عبيد رواية أخرى، مفادها أن الملك شمر قد عاد إلى اليمن غانماً سالماً، وبأنه مات قرب (رئام) من فوقه الحديد ومن تحته الحديد نتيجة لشدة حرارة النهار. وتنتهي الرواية بتحديد مدة حكمه بمائة وستين سنة.
أما رواية وهب بن منبه، فقد كانت أكثر شمولاً من سابقتها، حيث غطت أحداثها مناطق واسعة من الأرض شرقاً وغرباً.
تبدأ رواية وهب بالإشارة إلى أن تبع الأكبر عند العرب والمذكور في القرآن الكريم،هو الملك شمر يرعش، وإن كان قبله تبابعة عظماء، أعظم منه، وبرر ذلك بمحبة العرب للملك شمر يرعش وعظمته في قلوبهم.
وكان أول عمل يقوم به الملك شمر يرعش بعد دفن أبيه بسنجار، هو عودته بالجيوش إلى غمدان. وبعد حين بدأ سكان المناطق التي غزاها مع أبيه في تجميع قواهم وأرسلوا يطلبون نصرة إخوانهم بني يافث بن نوح في أرمينية، كما بدأت بوادر العصيان ضد التبابعة في فارس، وتولى ملكهم (قباذ بن شهريار الفارسي)، وبدأت أول الأعمال المعادية للتبابعة بهدم قبر الملك ناشر النعم الموجود بسنجار.
ونتيجة لذلك خرج الملك بالجيوش وسار بها ومعه جميع أهل الجزيرة الذين غضبوا لغضبه، وعند وصولهم إلى المشلل، ترك الملك ابنه (عمر الأقرن) فيها، وخلف ابنه (صيفي) في عمان، ومع كل واحد منهما، ألفا رجل، ثم سار الملك شمر يرعش وتجاوز عمداً أرض العراق حتى يتجاوز جمع فارس وبني يافث، واتجه نحو الجزيرة عبر الفرات حتى بلغ أرمينية، وهناك هزم الترك الذين أرسلهم قباذ الفارسي، وخرب المدائن من أرض أرمينية.
بينما كان الملك شمر يرعش يواجه الترك ويقوم بتخريب مدن أرمينية، زحف ملك فارس بمن معه قاصداً أرض العرب، مستغلاً غياب الملك شمر يرعش، حتى بلغ (حنو قراقر) في العراق وتجاوزها إلى المشلل وهناك التقى مع جيش عمراً الأقرن بن شمر يرعش، ودارت المعارك بينهما لعدة أيام، حتى وصل صيفي بن شمر يرعش من أرض عمان، وحسمت المعارك لصالح العرب، وهرب ملك فارس إلى جبال خراسان وتحصن بها.
ثم أرسل عمر الأقرن وأخوه صيفي إلى أبيهما بما كان من أمر قباذ، فعاد الملك شمر يرعش عبر الفرات حتى وصل أرض بابل وقصد يطلب قباذ بن شهريار، فما كان من ملك فارس بعد أن أدرك أنه خاسر لا محالة إلا أن ينتحر بعد أن اتفق مع ابنه (بلاس) على أن يمضي برأسه إلى شمر يرعش حتى ينال الأمان له ولقومه، بدعوى أنه قتل أباه لعصيانه الملك شمر يرعش.
نال بلاس بفعله ذلك رضى الملك شمر يرعش، حيث ولاه على قومه، وأمره أن يأخذ جيشاً من فارس وينضم إلى جيش الملك الذاهب إلى الصغد والكرد، وبعد أن فرغ من أمر الصغد والكرد، أمر بإعادة بناء قبر أبيه بجماجم الصغد والكرد لنذرٍ نذره، ثم هدم ذلك البناء، وأمر بإعادة بنائه من جديد ، بعد ذلك هدم المدائن بدينور وسنج، وأصبحت تلك المدن تسمى (شمر كند) أي (شمر خرب) باللسان العربي، وصار العرب يسمونها (سمرقند).
عاد الملك شمر يرعش إلى قطربيل يريد أرض الصين، وكان ملك الهند بأرض الصين هو (نفير الهندي)، وعندما عرف بخروج (تبع) إليهم جمع الجيوش، ونهض لملاقاته، غير أنه هزم بالمعركة، ثم لجأ نفير الهندي مع أصحابه إلى جبل عظيم، وفكر بالمكر، حيث عمد إلى قطع أذنيه وجدع أنفه وأمر أصحابه أن يضربوه بالسياط، ثم أتى تبعاً وادعى أن ما به من فعل قومه، لأنه أمرهم بالسمع والطاعة للملك شمر يرعش، ولكنهم أنكروا عليه ذلك وفعلوا به ما فعلوا.
قدم نفير الهندي عرضاً للملك، فحواه أنه سيقود الملك وعساكره إلى موضع يمكنهم من الوصول إلى الجبل دون علم من فيه، ولم يقبل الملك العرض كاملاً واكتفى بأن أرسل معه جيشاً من خيرة رجاله، وبعد أن سار بهم نفير الهندي، أدخلهم في صحراء واسعة، وأبعدهم حتى نفذ ما معهم من ماء، عند ذلك اكتشفوا الخدعة التي أوقعهم فيها نفير الهندي، نقمة لقومه وشفقة عليهم.
وعند شعور (تبع) بالخدعة، أمر (ذا جدن بن المسكين الحميري) أن يأخذ الماء ويتبع أثر الجيش، ففعل ذلك وأدركهم وهم يتساقطون عطشاً، وتمكن من إنقاذهم فعادوا إلى الملك ومعهم نفير، الذي مثل بين يدي الملك فكان مصيره العفو تقديراً لإخلاصه لقومه، وولاه عليهم وأعطاهم الأمان.
صعد نفير إلى قومه وأنزلهم من الجبل، وقدم للملك أولاده ليكونوا في خدمته، وجعل الملك أحدهم على أرض الصين بعد أن اعتذر نفير عن ذلك، لما أصابه من تشويه .
ثم تشير الرواية إلى عودة الملك شمر يرعش من أرض الصين، وعند وصوله إلى قطربيل وصلته أخبار عن غدر الزط والكرد والخوز بجنوده المرضى والجرحى الذين تركهم هناك حين توجه إلى أرض الصين. فسار حتى بلغ دينور ونهاوند وسنجار، وقتل من أصاب من بني يافث، وهم الزط والكرد والصغد والخوز، وسبي نساءهم، ثم مضى حتى وصل إلى أرض فارس، وجعل بلاس بن قباذ على فارس وخراسان، ثم توجه عبر الشام إلى أرض بابليون فوجد الأحباش يحاربون مصر منذ شهر، وعند علمهم بقدوم الملك شمر يرعش، أرسلوا بهدية لتشغله عنهم ريثما يخلصوا من بين يديه.
وعند وصول الهدية استشار الملك أصحابه في أمرها، وخلصوا جميعاً إلى ضرورة مهاجمة الأحباش قبل هروبهم، حيث وقعت معارك في (القس) و (البهنسة) انتصر فيها الملك، فهرب الأحباش من النيل إلى الرمل، فتم مطاردتهم والقضاء عليهم.
ثم تشير الرواية إلى قيام الملك بمهاجمة الحبشة، وهزم ملوكها، وطارد من هرب منهم، أثناء ذلك هبت عليه ريح سوداء من ناحية البحر المحيط، فعاد أدراجه عن طريق أرض (بني ماريع بن كنعان) وقتل منهم أمماً حتى بلغ البحر المحيط.
وبعد وصوله إلى البحر المحيط عاد إلى المشرق ووصل إلى مدينة (شداد بن عاد) ومكث فيها خمس سنوات، ثم رجع إلى قمونية، ووصل إلى بابليون، ومر بالشام وعبر دجلة والفرات ذاهباً إلى سنجار لزيارة قبر أبيه هناك، وعند وصوله إليها أمر أن يكتب على بابها وهي أعظم مدينة بأرض سمرقند- بالمسند، نصاً يفخر فيه بما قام به من أعمال، واعتبر أن من يفعل فعله فهو مثله أما من جاوزه فهو أفضل منه.
ثم تختتم الرواية بالإشارة إلى عودة الملك إلى اليمن بعد أن أهلك الأرض كلها، ودانت له الملوك، بأنه قد مات وعمره ألف سنة وستين سنة، بعد أن أوصى بتولي ابنه (صيفي) الحكم من بعده في جمع من أبناء ملوك حمير وكبار القوم من العرب.
المصدر: الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عهد الملك شمر يهرعش ،خلدون هزاع عبده نعمان، رسالة ماجستير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحميري، نشوان بن سعيد الحميري منتخبات في أخبار اليمن، ط 3، اعتنى بنسخها وتصحيحها عظيم الدين أحمد، منشورات المدينة، صنعاء، 1986م، ص 57.
2- ابن هشام، عبد الملك: التيجان في ملوك حمير، رواية وهب بن منبه، ط!، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء6 979 م، ص 230.
3- الهمداني، الحسن ابن أحمد: الإكليل، ج 2، تحقيق محمد بن علي الأكوع، منشورات المدينة، بيروت، 1986م، 75.
4- ابن هشام، عبدالملك،التيجان في ملوك حمير، أخبار عبيد بن شرية الجرهمي، ط2، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1979م، ص 442.
5- ابن هشام، عبد الملك، التيجان في ملوك حمير، رواية وهب بن منبه، ط2، ص 230.
6- ابن خلدون، عبد الرحمن: العبر...، ص 97.
7- الهمداني، الحسن ابن أحمد: المصدر السابق 6 ص 75.
8- الحميرى، نشوان بن سعيد: منتخبات في أخبار اليمن، ص 41
9- الحميرى، نشوان بن سعيد: ملوك حمير أقيال اليمن، تحقيق علي بن إسماعيل المؤيد وإسماعيل بن أحمد الجرافي، دار العودة، بيروت،1986م، ص 92.
10- المصدر السابق: ص93.
جميع الحقوق محفوظة للمركز الوطني للمعلومات - اليمن |