تاريخ عمارة المدرسة وإنشائها:
أجمعت أغلب المصادر التاريخية، والنقوش الأثرية الموجودة في المدرسة الأشرفية، على أن تاريخ البدء في إنشائها يعود إلى سنة 800 هـ/ 1397م، حين أمر ببنائها الملك الأشرف الثاني إسماعيل بن الملك الأفضل عباس. ففي النقوش الأثرية الموجودة حالياً- من واقع الزيارة الميدانية- ظهر ما يلي:
- ورد نقش بخط النسخ التأسيسي للمدرسة في موضعين:
الأول: فوق عتب الباب الأوسط في الممر الجنوبي المفضي إلى قاعة الخانقاه، ذكر فيه اسم المنشيء، ونصه في السطر الأول: "أمر بعمارة هذه المدرسة المباركة مولانا ومالكنا السلطان السيد الأجل الملك الأشرف "، وفي السطر الثاني: "ممهد الدنيا والدين إسماعيل بن العباس بن علي بن داوود بن يوسف خلد الله ملكه ونصره " ، والثاني: يقع في الجانب العلوي من عتب مدخل المنارة الشرقية، نقش فيه تاريخ بدء تأسيس المدرسة،ونصه:
السطر الأول: "وكان ابتداء العمارة بهذه المدرسة" السطر الثاني "السعيدة في ثاني ربيع الآخر سنة ثمانمائة" .
وهناك نقش ثالث بخط النسخ أيضاً موجود في الجانب العلوي من مدخل المنارة الغربية، موضح فيه اسم المسؤول عن الإشراف على البناء، ونصه: السطر الأولي: "وكان... مولانا سيد الأمراء صفي الدين،.
السطر الثاني (جوهر.. الدويدار مولى حصن تعز المحروس)
ومن خلال الزيارة الميدانية للمدرسة أمكن التحقق من وجود هذه النصوص المنقوشة على الحجر في المواضع المذكورة، والتي تحمل دلالة الثبات الذي حرص عليه السلاطين تخليداً لأعمالهم، فضلاً عما يمثله النقش على المنارة من التيمن بها لثبات الملك.
وأظهرت أعمال الترميم مؤخراً- والتي بدأت عام 1982 م- نقشاً رابعاً ولكنه هذه المرة على لوح من الجص، تم اكتشافه في الواجهة الجنوبية الداخلية من بيت الصلاة، ونصه: "أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة السعيدة السلطانية الملكية الأشرفية... منشيها مولانا السلطان الأعظم شاهنشاه مالك رقاب الأمم الأقمر سيد ملوك العرب والعجم سلطان الإسلام والمسلمين سيد الملوك والسلاطين ناشر جناح العدل على العالمين ممهد الدنيا والدين إسماعيل بن العباس بن علي بن داوود بن يوسف بن علي بن رسول آجره الله وبنيه وذاك بتاريخ خامس عشر المحرم سنة ثلاث وثمانماية.
وسجل نقش خامس؛ تاريخ بناء المدرسة، أشارت له-50: 1990 Makke لكنه يذكر السنة الثانية من البناء؛ وهذا النقش يفيد بأن العمل استمر في بناء المدرسة مدة ثلاث سنوات، أي من عام 800-803هـ/1397-1400م.
ومما جاء في نص النقش والذي وجد أعلى المدخل الجنوبي الخارجي للمدرسة ضمن مربع مقسم في ثلاثة أسطر:
السطر الأول: "بسم الله الرحمن الرحيم ".
السطر الثاني : "ادخلوها بسلام آمنين".
السطر الثالث: "بتاريخ الحادي عشر من رمضان سنة أحد وثمانماية".
كما وجدت بعض الكلمات التي- بقيت على نقش حجري- بخط نسخ محصور ضمن إطارين في بطن عتب المدخل الجنوبي للمدرسة، ما نصه: ""... بن- علي بن داود- غرة صفر ذلك بتاريخ أحد وثمانماية".
أما في المصادر التاريخية:
فقد وردت نصوص متفقة تماماً مع النص التأسيسي الوارد في النقوش الأثرية، ومن ذلك:
ما جاء في افتتاحية الوقفية الغسانية عن تاريخ بناء هذه المدرسة أورد نصها القاضي الأكوع جاء فيها: "بناها السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن الملك الأفضل العباس بن الملك المجاهد سنة ثمانمائة هجرياً... " (الأكوع 1980: 269).
وما ذكره الخزرجي من أن السلطان الأشرف إسماعيل بن العباس، أنشأها سنة 880هـ/1937م (الخزرجي 1983ج1: 255).
وما استخلصه محمد زكريا من أن العديد من كتب التاريخ ذكرت أن الحاكم المنشىء للمدرسة الأشرفية، هو الملك الأشرف أبو العباس إسماعيل بن الأفضل العباس، والذي امتدت فترة حكمه من سنة 761- 803هـ/ 1359- 1400م، وقد توفي في السنة التي افتتحت بها المدرسة عند انتهاء البناء فيها سنة 803هـ/ 1400م (زكريا 1995: 47).
وتشير أغلب المصادر بأنه بنى جامعاً يحتوي على مدرسة دينية.
ومع اتفاق النقوش الأثرية، والمصادر التاريخية على تاريخ إنشاء المدرسة، ومنشئها، إلا أن بعض الباحثين الأجانب وقعوا في خطأ الخلط بين البدء في إنشائها، وبين منشئها، ومن هؤلاء- Lewcock and Smith- اللذين أشار إليهما الراشد؛ في ما ذهبا إليه من آراء ترجيحية حول نسبة المدرسة بين السلطانين الملقب كل منهما بالأشرف؛ وهما عمر الثاني بن يوسف 694- 696هـ/- 1295- 1297م، والأشرف إسماعيل بن العباس 778-803هـ/1195-1200م، دون أن يأخذا في نظر الاعتبار الفترة المتباعدة بين عهدي الملكين المذكورين والتي تفرق بينهما ب- 160 سنة، مما لا يتفق وإنشاء مدرسة على مدى هذه الفترة الطويلة، بل لقد ذهبا إلى أبعد من ذلك حينما أدركنا تاريخ بناء المدرسة والتحقق من اسم منشئها إلى الدراسات المستقبلية التي سوف تجري على مجموعة النقوش الكتابية الواردة على مجموعة القباب الضريحية (الراشد 1992: 197).
وفي سياق هذا الخلط ذكرت إحدى المقالات الأجنبية في معرض الحديث عن بعض المدارس بجنوب شبه الجزيرة العربية ومنطقة عمان، بأن المدرسة الأشرفية بنيت على مرحلتين: الأولى كانت في عهد الأشرف الأول، والثانية في عهد الثاني! وهذا الرأي تخطئهُ الوقفية الغسانية للمدرسة والتي ذكرت كل تفاصيل البناء بالكامل والتواريخ، ولم تذكر أمراً كهذا أبداً، بل لم تشر له أصلاً.. ولعل مثل هذا الخلط الذي وقع فيه صاحب المقالة وأمثاله يعود إلى القراءة المترجمة مع عدم استيفاء أدوات البحث ومصادره، وهو مما أشار إليه جرابار؛ أحد المستشرقين حيث يقول:
"إنه من الخطأ والخطر في الوقت نفسه، محاولة الغرباء، فهم عالم ليس تابعاً لهم، حيث يمكن للتجربة الثقافية أن تترجم بسهولة إلى معاني أخرى، وعموميات "، فيحدث معها ضعف في الدقة العلمية التي تلاحظ في كتابات بعض المستشرقين لدى قراءتهم للتاريخ العربي.-52: 1980 Grabar-
المذاهب والعلوم التي كانت تدرس في المدرسة الأشرفية:
مما سبق ذكره فإن أحد أهم الأسباب الرئيسية التي أسهمت في انتشار بناء المدارس في اليمن، وخاصة إبان حكم الدولتين الأيوبية والرسولية؛ يعود إلى رغبة حكامها بنشر المذهب السني، وتقليص المذاهب الأخرى، وذلك من خلال الإكثار في بناء المدارس التي تعنى بتحقيق هذا الهدف.
لذا فإن من أهم وأبرز العلوم التي كانت تدرس في تلك المداس هي علوم الفقه على الشافعي، وعلوم القرآن والسنة والحديث، وعلوم اللغة العربية، وذلك حسب ما نقلته لنا المصادر التاريخية وأطلعتنا عليه الوقفيات التي كانت تخصص لتدريس هذه العلوم في تلك المدارس.
ومن تلك المصادر، ما يذكره الخزرجي عن المدرسة الأشرفية) "... كانت تختص بتدريس تعليم القرآن الكريم، والحديث واللغة، والفقه على مذهب الإمام الشافعي، بطاقم كامل من موظفي المدرسة، والمسجد والطلبة الذين يدرسون بمنح دراسية كما جرت العادة... " (الخزرجي 1993، ج ا: 285).
وجرى كذلك تدريس المذهب الحنفي في بعض المدارس كالمنصورية العليا في زبيد. ويقدم الخزرجي في الجزء الثاني من نفس المصدر وصفاً للمدرسة الأشرفية وللتدريس فيها، جاء فيه: "... ومن مآثره الدينية- يقصد الملك الأشرف الثاني إسماعيل- التي أنشأها في مدينة تعز وخارجها مدرسة حسنة الشكل لها بابان، شرقي وغربي، وباب يماني- يقصد به جهة الجنوب- ومقدم فسيح و...، ورتب فيها إماماً ومؤذناً، وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن الكريم، ومدرساً على مذهب الإمام الشافعي ومعيداً وعدة من الطلبة، ومدرساً يتحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدرساً في النحو والأدب، وجماعة من الطلبة أيضاً، ووقف فيها العديد من الكتب النفائس في كل فن، وأوقف على المدرسة المذكورة وعلى المرتبين فيها وقفاً جيداً يقوم بكفايتهم... (الخزرجي 1983، ج 2: 260)، ويعزز صحة ذلك ما أوردته الوقفية الغسانية والمذكورة، ويضيف محمد زكريا بأن المدرسة كانت مكونة من قاعات للدراسة، وأن القاعة الشرقية كانت لتدريس الفقه والحديث الشريف، بينما اختصت القاعة الغربية بتدريس وحفظ القرآن الكريم (ا لأكوع 1980: 269؛ زكريا 1998: 47).
الأوقاف الدارَّة على المدرسة:
لم يكن المنشئون للمدارس يكتفون- ببنائها وحسب، بل كانوا يوهبون أوقافاً تدر- في ريعها- على مصارف- تلك المدارس التي يبنونها... فمثلاً يوهبون بساتين زراعية، تدر بخيرها لمساندة بقاء المدرسة في نشر رسالتها العلمية، وهو سلوك درج عليه بنو أيوب في بناء مدارسهم في مصر، واتبعوه في اليمن، ومارسه بنو رسول من بعدهم (ابن تغري بردي: ج5: 55، ج7: 137 ). وقد كانت الوقفيات تحدد وتذكر في نص الوقفيات بما تدره من خير، ويحدد وجه صرفها مسبقاً، سواء كانت في صورة رواتب للعلماء، أو مصارف للطلبة الذين يدرسون والقيام بكفايتهم.
ومثال ذلك الوقفية الغسانية التي تحدد كل الأوقاف والأحباس التي أوقفت لها.
نوع المدرسة الأشرفية:
كان لانتشار المدارس، والثورة العمرانية التي رافقت بناءها في فترة حكم الأيوبيين والرسوليين الأثر الواضح في خلق تنوع مميز، وتصنيفها تبعاً لميزات كل منها إلى أنواع عدة.
وقد أسهم عدد من ذوي الاختصاص التاريخي والعمراني، في رصد وتمييز هذه الأنواع، وحددوا لها سمات ومميزات رئيسية بصورة عامة، واتفقوا على تصنيفها تبعاً للخصائص المشتركة إلى نوعين رئيسين:
النوع الأول: ويعرف بالمدارس الكبرى.
النوع الثاني: ويعرف بالمدارس الصغرى.
فالعناصر المكونة للمدرسة الأشرفية وميزاتها تضعها ضمن المدارس الكبرى وبحكم أسبقية إنشائها، ينظر إليها لا بحسبها تمثل نوعية المدارس الكبرى فحسب، بل تعتبر المقياس لهذا التقسيم لما يليها من المدارس الكبرى؛ مثل المدرسة العامرية التي جاءت كنموذج متطور عنها، وذلك زمن حكم آل طاهر، الذين خلفوا دولة آل رسول، وكان السلطان عامر بن عبد الوهاب قد أمر بإنشائها في مدينة رداع سنة 901هـ/ 1504م (-22-85:1997- Al-Radi ) .
المصدر : المدرسة الأشرفية بتعز من الدولة الرسولية ،( دراسة معمارية تحليلية ) : إعداد آلاء الأصبحي .
|